في جميع انحاء العالم، ازدهر مفهوم الاستثمار ذو القيمة المجتمعية وأصبح المزيد من الأشخاص يبحثون عن طرق لاستثمار أموالهم بشكل يحقق عائداً مالياً مع الاستجابة أيضاً للتحديات العالمية مثل تغير المناخ والأمراض وتزايد عدم تكافؤ الفرص - القضايا التي تفاقمت بسبب منظومة الأعمال التجارية الرأسمالية وقرارات الاستثمار السلبية.
وفقاً لجي بي مورغان (JP Morgan)، يمكن أن يصل الاستثمار الملتزم بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمية (ESG) إلى 45 تريليون دولار بحلول نهاية عام 2021، ويشير تقرير حديث صادر عن مؤسسة التمويل الدولية إلى أن الاستثمار المؤثر قد يصل إلى 2 تريليون دولار. يشير تحليل الاتجاهات من شبكة الاستثمار المؤثر العالمية (GIIN) إلى أن الاستثمار المؤثر (Impact Investing) في الأصول المدارة من نفس المجموعة نما بمعدل نمو سنوي (CAGR) بنسبة 17٪ على مدى السنوات الخمس الماضية ويستمر في التسارع عاماً بعد عام.
تطور المشهد الاستثماري ذو القيمة المجتمعية وأصبحنا نرى أشكالا متنوعة له: الاستثمار الملتزم بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمية (ESG)، الاستثمار المسؤول اجتماعياً (SRI)، والاستثمار المؤثر (Impact Investing). وبما أن الفرق بينهم ينعكس على نهج شركات الاستثمار في إدارة الأثر قررنا في هذا المقال تسليط الضوء على أهم الفروقات وإنشاء مساحة نقاش لمساعدة المستثمرين على اتخاذ قرارات أفضل حول كيفية المساهمة في تحقيق الأثر.
1- الاستثمار الملتزم بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمية (ESG):
الاستثمار الملتزم بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمية (ESG) هو الاستثمار في الشركات الملتزمة بمعايير بيئية واجتماعية وحوكمية بشكل منهجي في عملياتها وممارساتها. يمكن تحديد العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمية وفقاً للأهمية النسبية لمجالات المحفظة و/أو ملاءمتها لتوجهات مالكي الأصول. بعض الأمثلة للعوامل التي تعتبر بها المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمية لاستثمار (ESG): أ) العوامل البيئية: استهلاك الطاقة – الوقود والتلوث – التأثير والتغير في المناخ – كيفية التخلص من النفايات، ب) العوامل الاجتماعية: مراعاة حقوق الانسان – عمل الأطفال والعمل القسري – الصحة والسلامة، ج) العوامل الحوكمية: النزاهة والشفافية - العلاقة بين الإدارة والموظفين - آلية توزيع الأرباح.
من يناسب الاستثمار الملتزم بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمية (ESG)؟
يتم تطبيق معايير (ESG) بشكل شائع على الأسواق المفتوحة فتستقطب المستثمرين للمساهمة وشراء أسهم في الشركات التي تراعي العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمية لضمان الأرباح واستدامتها. الاستثمار في شركات تسعى للربح فقط ربما يكون ضارا على المدى البعيد حيث يمكن لهذه الاستثمارات التعرض لمخاطر المساءلة القانونية لعدم مراعات الجوانب البيئية أو الإضرابات العمالية لعدم مراعاة الجوانب الاجتماعية او الانهيار الإداري لعدم مراعاة الحوكمة وعدم جودة الإدارة.
أمثلة:
مثال على ذلك نجد أن بعض الشركات التقنية تتضمن عمليات التصنيع فيها استخدام مواد صديقة للبيئة وقابلة للتدوير لإظهار مدى اهتمامها بتأثير هذه المواد على البيئة وسعيها لتقليص الأثر السلبي.
2- الاستثمار المسؤول اجتماعياً (SRI):
اذا كان استثمار (ESG) يلتزم بالمعايير الثلاثة المذكورة أعلاه فإن الاستثمار المسؤول اجتماعياً يلتزم بتلك المعايير ولكن بصورة أعمق وأكثر تحديداً وفق توجهات محددة أخلاقية أو دينية أو سياسية. بناء على تلك التوجهات والمعايير المحددة فإن المستثمر يختار ويحذف ما يؤثر على استثماره منها. مثلا قد يتجنب المستثمر أي شراكة مع جهات تضر بصحة الإنسان كشركات التبغ والكحوليات فيما يفضل الشراكة مع جهات تعزز الغذاء الصحي.
من يناسب الاستثمار المسؤول اجتماعياً (SRI)؟
يتم تطبيق الاستثمار المسؤول اجتماعياً (SRI) غالباً في استراتيجيات الاستثمار الشخصي الخاص. إذا كان المستثمر يحمل قيماً أخلاقية محددة ويرغب في عكسها على ممارساته الاستثمارية فإن الأنسب له هو هذا النوع من الاستثمار باستبعاد واختيار المناسب للقيم والاخلاقيات الخاصة به.
أمثلة:
بعض المجالات البارزة من حيث تجنب المستثمر المسؤول اجتماعياً للشراكة والمساهمة فيها: التجارة في منتجات مضرة بالصحة على المدى البعيد، المقامرة، إنتاج الأسحلة وأدوات الدفاع.
3- الاستثمار المؤثر (Impact Investing):
هو الاستثمار الموجه نحو مجالات تحقق أهداف إيجابية نحو البيئة والمجتمع بالإضافة إلى الربح المالي. الأولوية هنا تكون للاستثمار في شركات أو كيانات تعمل على تحقيق هدف إيجابي في تنمية المجتمع في المقام الأول قبل النظر في الربح المالي. الاختلاف يكمن مع الاستثمار المسؤول اجتماعياً (SRI) في التركيز على استهداف الشركات ذات الأهداف الإيجابية بعيدة المدى بدلا من اقصاء تلك التي تخالف انشطتها قيم معينة. الاختلاف بين الاستثمار المؤثر (Impact Investing) والاستثمار الملتزم بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمية (ESG) هو أن الأول يسعى لتحقيق تأثير إيجابي ملموس وقابلا للقياس والثاني يسعى لضمان عدم توجه رأس المال نحو الأرباح المادية فقط مع إهمال النواحي البيئية والاجتماعية والحوكمة.
من يناسب الاستثمار المؤثر (Impact Investing)؟
يتم تطبيق الاستثمار المؤثر في الوقت الحاضر بشكل شائع في استراتيجيات الأسواق الخاصة التي تسعى عمداً إلى الحصول على استثمارات تساهم في حلول قابلة للقياس للتحديات العالمية مثل أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs).
أمثلة:
من الأمثلة على الاستثمار المؤثر (Impact Investing) الصناديق التنموية الهادفة لتحقيق بيئة سكنية ملائمة للأسر ذوي الدخل المحدود من خلال الاستثمار في الحلول السكنية وحلول التمويل السكني. ويتمثل الأثر في عدد الأسر المستقرة والتغيير في مؤشرات الاستقرار السكني.
ملخص الفروقات:
الاستثمار الملتزم بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمية (ESG) يحدد المعايير الثلاثة كمقياس لعدم اقتصار الاستثمار على الجانب المادي فقط واستدامته على المدى البعيد.
الاستثمار المسؤول اجتماعياً (SRI) يركز مع ما سبق على أهمية القيم الدينية والأخلاقية ويقوم باستبعاد ما يخالف ذلك مع تحقيق أرباح مادية دون الاخلال بالقيم السابقة.
الاستثمار المؤثر (Impact Investing) يركز على الاستثمار في شركات ومشاريع تحقق أهداف اجتماعية و/ أو بيئية مع موازنة تحقق الأرباح ويسعى لتكون تلك الأهداف الاجتماعية والبيئية قابلة للقياس.
نؤمن في أثرنا أن الاستثمار ذو القيمة المجتمعية يشكل أحد أهم استراتيجيات تحقيق آثار إيجابية مستدامة لقضايانا المجتمعية المعقدة. وبالنظر الى خطورة التحديات المجتمعية المطروحة، نعتقد أن المزيد والمزيد من المستثمرين سيرغبون في اختيار استثمارات مؤثرة كجزء من محافظهم الاستثمارية.
المصادر:
留言