في معظم الأحيان، تكون البيانات خلفية مملة للمواضيع التي يهتم بها الناس: هل سيدخل طفلي في الجامعة بهذه الدرجات؟ أي مرشح من المحتمل أن يفوز في الجولة القادمة؟ من سيفوز بكأس العالم؟ معظم الناس ليسوا عادة مستهلكين جريئين للبيانات ومتصورين للإحصائيات. لكن أزمة كورونا وضعت البيانات في المركز - نحن جميعاً خبراء الآن. البيانات والاختبارات المتحدثة بشكل مستمر هي المفتاح الوحيد لإعادة الخروج بأمان من عمليات الإغلاق، ولا يمكننا غض النظر عن الأرقام اليومية المروعة لحالات المرض والموت. ما الذي علمتنا إياه هذه الأضواء حول كيفية الحصول على بيانات أفضل؟
1- الاستثمار في الأساسيات
كشفت الأشهر الماضية عن بعض العيوب الواضحة في أنظمة البيانات حول العالم، وربما يكون أكبرها هو النقص المذهل في الأنظمة الجيدة والمتسقة في العديد من البلدان لقياس أسباب الوفاة - يمكن القول إنه المؤشر الصحي الأهم على الإطلاق.
بالنظر إلى المليارات التي تم ضخها في البرامج الصحية حول العالم على مدى سنوات عديدة، فهو من العار العالمي أن أسباب أكثر من نصف وفيات العالم لا تزال غير مسجلة كل عام. لا توجد دولة حجبت نفسها بالمجد هنا، لكن من الأفضل البدء بالاستثمار في البلدان منخفضة الدخل، والتي لا يوجد في أي منها أنظمة تسجيل وفيات جيدة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
يحتاج العالم بعد كورونا إلى حل هذه المشكلة. يمكن للجهات المانحة ومنظمات التنمية أن يبدأوا من خلال وضع نسبة مئوية من إنفاقهم الصحي في بناء النظم التي تنتج باستمرار وبشكل موثوق نظم البيانات التي تدعم بناء السياسات والمبادرات الصحية.
2- الحفاظ على اهتمام الناس
كان من الجدير بالملاحظة وجود شهية عالمية للبيانات والنقاشات المعقدة حول جودة تلك البيانات. وتبين أن تقارير غياب الحقائق والخبراء مبالغ فيها إلى حد كبير. من الممكن تماماً للجمهور فهم البيانات وتقييمها - سواء كان ذلك من خلال مقارنة معدلات الإصابة بين البلدان، بين الأغنياء والفقراء، أو بين الصغار والكبار - واستخدامها لمساءلة صناع القرار.
أصبح الناس متعطشون للحقائق حول فايروس كورونا بطريقة غير اعتيادية مقابل مثلاً أن أغلب الناس لا يسألون عن تفاصيل فجوة التحصيل بين طلاب المدارس الفقراء والأغنياء. علمنا ذلك أنه من الممكن توصيل البيانات بطريقة قاطعة – وهو ما يجب أن يلهم الأمل لدى أولئك الذين يؤمنون بأهمية الحوارات العامة القائمة على الأدلة.
نأمل أن يُشرك العالم بعد كورونا المزيد والمزيد من مكونات المجتمع استناداً الى هذا الاهتمام بالبيانات لبناء دعوات ونقاشات قائمة على الأدلة في جميع المجالات.
3- الثقة في الجمهور
بيانات كورونا معقدة ومتغيرة. يتم تحديث الأرقام يومياً مع إجراء مراجعات للأرقام التي تم إصدارها ربما قبل أيام أو أسابيع. الأرقام محدودة لأنها تعكس فقط عدد الأشخاص الذين تم اختبارهم، وحتى موثوقية الاختبارات نفسها ليست 100%. لكن مكاتب الإحصاء مستمرة في إصدار بيانات لا تزال قيد العمل، والثقة في أنه من الأفضل إصدار بيانات جيدة بما يكفي الآن من إصدار بيانات مثالية بعد اتخاذ القرارات. غالباً ما يخشى الإحصائيون من مشاركة العامة في وقت مبكر جداً، وتضليل الناس أو الظهور كمغفلين من خلال إصدار بيانات يتم تصحيحها لاحقاً. لكن فايروس كورونا أظهر أنه من الممكن والمفيد أن نثق في قدرة الجمهور على تفهم أن الأرقام شيء معقد.
نأمل أن يجعلنا العالم بعد جائحة كورونا جميعنا مستهلكين أفضل للبيانات، ويشجع المؤسسات على أن يكونوا أكثر انفتاحاً مع الأرقام التي تستخدمها لصنع التدخلات.
4- الانتقال من مناقشة خصوصية البيانات إلى القيام بشيء حيال ذلك
إن النقاش حول تطبيقات تتبع جهات الاتصال، وكيفية إنشائها، والآثار المترتبة على الخصوصية الشخصية، تضع موضوع خصوصية البيانات محور اهتمام الجميع. كجميع النقاشات حول خصوصية البيانات، إنها مسألة مقايضة بين الفوائد والمخاطر. لم تكن استجابة السلطات دائماً بما قد نأمله، ولكن أظهرت كورونا أن الأفراد أنفسهم هم أكثر من قادرين على مناقشة الموضوع بطريقة منطقية وشفافة.
يحتاج دعاة البيانات بعد كورونا إلى ممارسة الضغط على المؤسسات لمشاركة أصحاب المصلحة من أجل الارتقاء بتحدي خصوصية البيانات وتسريع التقدم نحو قواعد جديدة لحمايتنا جميعاً.
5- استخدام البيانات لصنع القرارات
البيانات عديمة الفائدة ما لم يتم استخدامها. جميع النقاط أعلاه عديمة الجدوى ما لم تخطُ المؤسسات خطوات فعلية للاستفادة من مختلف البيانات في عمليات اتخاذ القرارات. وقد كانت السنوات القليلة الماضية صعبة بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أنه من الأفضل اتخاذ القرارات الكبيرة باستخدام أدلة جيدة.
البيانات الأفضل بعد كورونا لا تتعلق بمعيار جودة واحد وإنما عملية تدريجية بطيئة لإنشاء نظام بيانات قائماً على احترام الحقوق، ومترسخاً في ثقافات المؤسسات، ومتوافقاً مع حقائق السوق، ويثق به الجمهور.
يمكن أن يساعد مُمكّنان في بناء تلك الأنظمة: التأييد الفعّال (يجب على المؤسسات أن تفعل ذلك) والأمثلة الجيدة على كيفية القيام بذلك (تحتاج المؤسسات إلى معرفة كيف تقوم بذلك). هذا ما تقوم به بيوت الخبرة ومراكز البيانات، شيئاً فشيئاً، حول العالم.
كلنا نريد أن نرى عالماً أفضل يخرج من ألم القلب والدمار الذي جلبه فايروس كورونا. دعونا نأمل خلال إعادة البناء بعد الأزمة بإنشاء مجتمعات أقوى وأكثر استدامة، وأنظمة فعالة لسياسات وبرامج قائمة على الأدلة.
المصدر:
Melamed, C. (2020, May 13). Five ways to have better data after COVID-19. Retrieved from the Oxfamblogs:
Comments