كلمة "برهان" لها معاني مختلفة عند مختلف الأشخاص. بالنسبة لمدير برنامج مخضرم، فإن البرهان قد يعني 30 عاماً من رؤية العوامل التي ساعدت وتلك التي لم تساعد المستفيدين الذين تخدمهم منظمته. بالنسبة لمتبرع، فإن البرهان قد يكمن في رؤية فئة من الطلاب ذوي الدخل المنخفض الذين دعَمهم منذ سن رياض الأطفال حتى أصبحوا أول الأشخاص في أسرهم يحصلون على شهادة جامعية. بالنسبة لعالِم الأوبئة، فإن البرهان قد يعني نتائج دراسة تجريبية تثبت العلاقة السببية بين استخدام الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية والحد من الوفيات الناجمة عن الملاريا.
نقضي الكثير من الوقت في الجدال حول نوع البرهان الأكثر أهمية ويغيب عن أذهاننا أن كل مصدر من مصادر البراهين هو مناسب وصالح للإجابة على أسئلة مختلفة. تُوفر الخبرة الميدانية إجابات على أسئلة مثل "من في المجتمع سوف يصنع نجاح البرنامج؟" ويجيب الرأي المستنير على أسئلة مثل "ما هي عوامل ترتيب الأوليات في القضايا المجتمعية؟" وتجيب الدراسات التجريبية على أسئلة مثل "هل أحدثت نشاطاتنا فرقًا، وهل نحن على يقين من أن ذلك لم يكن بسبب الصدفة أو بعض العوامل الأخرى؟"
في جميع هذه الحالات، تظهر البراهين كنتيجة لملاحظة دقيقة تُقدّم إجابات تعطي للناس الثقة في أن ما يفعلونه صحيح ويؤدي إلى التغيير الذي يبحثون عنه. وإذا كان الهدف حل مشكلات معقدة - تلك التي لا تزال قائمة رغم الجهود الحكومية وقطاع الأعمال - فإننا بحاجة أكبر إلى جميع أنواع البراهين التي يمكن أن نحصل عليها.
توسيع مفهوم البرهان: ثلاث دوائر رئيسية
في العمل المجتمعي، تعني عبارة "العمل القائم على البراهين" الوصول إلى أفضل المعلومات المتاحة من ثلاثة مصادر مختلفة "دوائر البراهين":
البحث العلمي مثل التجربة العشوائية المنتظمة والنماذج الإحصائية المتقدمة التي تربط الأسباب بالنتائج.
الخبرة الميدانية مثل المعرفة العملية لدى المستفيدين ومقدمي البرامج التي تساعد على تفسير آلية عمل البرامج في ظروف الواقع ومتغيراته.
الرأي المستنير مثل آراء صانعي السياسات وأصحاب المصلحة الآخرون التي تُوفّر إطار فلسفي وسياق مفاهيمي للعمل الميداني والتجربة.
كل مصدر للبراهين يُضيف قيمة مميزة. على سبيل المثال، قد تُظهر نتائج التجربة العشوائية المُنتظمة بشكل قاطع أن استخدام الناموسية يقلل الملاريا أو أن برنامجاً معيناً يزيد من معدلات التخرج لدى مجموعة من الأطفال المعرضين لخطر التسرب، لكن ملاحظات شيخ قرية أو أخصائي اجتماعي هي التي ستساعدنا على فهم كيفية منع الناس من استخدام شبكة الأسرّة كشبكة صيد. كذلك رؤية المعلم أو المشرف الدراسي هي التي ستساعدنا على إدراك ما تحتاجه فتاة في الصف التاسع في شرق بالو ألتو للنجاح وكيف قد يكون ذلك مختلفًا عما يحتاج إليه صبي في الصف التاسع في شمال فيلي.
وعلى الرغم من أن المستفيدين قد لا يعرفون أحدث المقاييس أو اتجاهات السياسة أو الخطة الاستراتيجية خلف برنامج معين، فإنهم أصحاب القرار النهائي بشأن ما إذا كان التغيير الذي تم إحداثه بواسطة البرنامج يُمثل تحسناً ذا مغزى في حياتهم.
لذلك في المرة القادمة التي ترى فيها جدال حول كلمة براهين، فكّر في هذا: بدلاً من مجرد الدفاع عن التقييم التجريبي والتحليل الاحصائي المتطور، أو الدفاع عن الحكمة المنبثقة من الخبرة الميدانية، اسمحوا لي أن أقترح نهج ثالث: توسيع مفهوم البرهان. بغض النظر عن القضية التي تهمك، كلما أشارت مصادر البراهين - البحث العلمي، الرأي المستنير، الخبرة الميدانية - الى نفس النتيجة، كلما شعرنا جميعاً بثقة أكبر بأننا نسير في الاتجاه الصحيح.
Comments